رواية أغلال الروح بقلم شيماء الجندي
انت في الصفحة 1 من 56 صفحات
الفصل الأول أمل !
جالس بهدوء داخل غرفة مكتبه الأنيق يحاول إنهاء أعماله المتراكمة و هو يرتشف قهوته الساخنة بتأن و سکينة لكنه عقد حاجبيه فجأة و ترك القهوة محلها ينظر إلى الباب الذي فتح و أطل منه الرجل الخمسيني الذي تمكن الشيب من رأسه و لحيته عاصم الجندي صارخا ببهجة
سيلاااا !! سيلااا ياآسر ظهرت أخيرا !!!!
سيلا بنتك ياعمي
جلس عاصم في المقعد المقابل له و قد تهللت أساريره يقول مبتهجا
مش مصدق صح !!!! أنا نفسي اټصدمت مكنتش مصدق لحد ما اتأكدت بنفسي و اتواصلت مع المحامي أكدلي إنها سيلا بنتي !
نظر آسر إليه لحظات ثم اعتدل بجلسته قائلا بحذر
تنهد العم ببعض الضيق و أردف و قد بدأ الحماس يتلاشى من نبرته
أنا بقولك اتأكدت بنفسي و المحامي بتاعنا كمان اتأكد يعني مفيش مجال للشك دا ! أنا كلها ساعات وهشوف بنتي و احضنها و أنت هتشككني فيها دا أنا عايش على الأمنية دي من سنين ياآسر !
كنت متوقع منك تفرحلي !
زفر الآخر أنفاسه و وقف يواجه عمه رابتا فوق كتفه بهدوء قائلا
أنت عارف كويس إني مش عايزك تتعلق بسراب لكن طالما اتأكدت إنها هي خلاص مبروك عليك رجوعها ليك !
ابتسم عاصم و ربت فوق يد ابن أخيه و قال بهدوء
طيب حيث كدا أنا كنت عايز منك حاجة صغيرة !
آه يعني مش جاي هنا عشان تقولي وأفرح بالخبر ده فيه مصلحة بقاا !
ضحك العم و أجابه بصدق
هي مش مصلحة أوي أنا عايزك تروح تستقبل سيلا أنت عشان أنا هجهزلها الأوضة بنفسي و أحضرلها احتفال رجوعها !
ثم أكمل حين وجد الدهشة تتراقص بمقلتي ابن اخيه
أنا نفسي أكون أول واحد بستقبلها بس اللي هعمله ضروري ومحدش هيعرف يعمله زيي !
تمام زي ماتحب هستقبلها أنا هي جاية امتى
اجابه و هو يجمع متعلقاته استعدادا للرحيل
بكره الصبح الساعة 10 مش بقولك مفيش وقت هي فاجئتني أنا نفسي سلاام !!
ظل آسر واقفا بمحله يراقب هروله عمه إلى الخارج و كأن أحدهم يطارده ثم قال بخفوت
ربنا يعديها على خير أتمنى تسامحني في الآخر ياعمي !
جلست سديم في السيارة بجانب آسر الذي تولى قيادة السيارة بملامح جامدة و قد بدا بعض القلق على محياه مما دفعها إلى الابتسام له تلك البسمة الجافة أثناء همسها قائلة
شكل عمك واثق فيك أوي يعيني ميعرفش أنك بتنصب عليه !
عقد حاجبيه يقبض على رسغها فجأة يقربها منه و هو يقول پغضب واضح احتل ملامحه فجأة
بت أنت اتلمي ! الڼصب دا شغلة أشكالك لكن أنا بحافظ على عيلة كاملة في رقبتي !
اغضبها بفظاظته و إهانته البينة لها حيث ملأ الإزدراء نبرته واشتدت قبضته فوق رسغها حين حاولت افلاتها قائلة بابتسامة عريضة استفزته
مممم بت أنت و ڼصابة و أشكاالي ! طيب ياسيدي خليك فاكر و أنت بتطول لسانك عليا إنك أنت اللي دورت على أشكالي و جبت واحدة ڼصابة زيي من آخر الدنيا تمثل إنها من عيلتك عشان قال اي تحافظ على عيلتك ! يابتاع العيلة !
ابعد نظراته عن الطريق و نظر إلى ملامحها المتحدية له وكأنها بانتظار أن يكمل تطاوله أو يحاول نفي حديثها لكنها على حق لقد كلفه الأمر عدة أسابيع حتى يتثني له الحصول عليها و إقناعها بذاك الأمر هو الذي طلب من صديقه البحث عنها بعد أن حدثه صديقه أنها عاونت والده ذات مرة و أنها على علاقة جيدة مع والده وأن عليه تحمل خالها لأنها تعمل معه لذلك لن ترفض مساعدته بل سوف تتفانى في إتقان دورها و الوفاء بعهدها معه !
أفاق من شروده حين صاحت به فجأة
اصحا للطريق يابااا هتلبسناا في اللي قصادنا !!
اتسعت عينيه و ردد بذهول
ياباا وهتلسبناا
أشارت بعينيها إلى سيارة أمامهم ثم أكملت و هي تعتدل بجلستها بعد أن تأكدت من تعكر صفو مزاجه و ردها على إهانته
اه يابااا و هتلبسنا وخد بالك بقاا من كلامك معاياا أنا مش خدامة عندك أنت جايبني و دافع تمن طريقتي و كلامي عاوزني اراعيهم و أخد بالي منهم و أنا بتكلم مع عيلتك المبجلة يبقا تلم لسانك دا معايا هتستهبل وتفكر تترسم تاني عليا هنسى كل اتفاقنا و هيخرج مني واحدة متمناش إنك تجربها !
استطاعت أن تستمع إلى صوت تنفسه الغاضب و ضغط على رسغها الذي لازال داخل قبضته متمنيا أن يرى الألم فوق ملامحها لكنها ألقت رأسها إلى الخلف و ابعدت نظراتها عنه قائلة بجمود
و لو إيدي مش لازماك في حاجة ياريت تسيبها و لا أنت ماصدقت
ترك يدها على الفور و أردف ساخرا
ماصدقت معاك أنت !!
ابتسمت له بهدوء ثم أمسكت نظارتها الشمسية ووضعتها فوق عينيها تاركة إياه يكمل حين لم يحصل على إجابه منها فور سخريته
أتمنى تكوني فاكرة اللي هتعمليه و متتصرفيش من دماغك نهائي أنا عيني هتكون دايما عليك أتمنى تتصرفي زي ولاد الناس عمي عاصم ذكي جدا و لو حس إنك مش بنته الحقيقية مش بعيد يسلمك للشرطة و ساعتها أنا مش هقدر أساعدك و اخسر عيلتي !
ضحكت بخفة و أجابته ساخرة
إيه داا يامامي خۏفت جداا كنت فاكراك هتحميني منهم و معتمدة عليك أوي في كل خطواتي هعيش إزاي منغيرك وقتها !!!
أوقف السيارة فجأة و هدر غاضبا حين أخرجته تلك الفتاة المستفزة عن طوره
كفاااية هو كل كلمة عليها رد متعرفيش تسمعيييي و تقوليييي حاضر !!
تنهدت واجابته و هي ترفع كتفيها بلامبالاة واضحة
لا معرفش اعمل كدا مع واحد زيك ! و متزعقش كتير عشان مبحبش الازعاج و الصوت العالي ! مبتعرفش تبقا ابن ناس ولا إيه
احتلت الدهشة ملامحه من اسلوبها الغريب معه و كأنها تصارعه بالكلمات ! منذ أن قابلها و هي هادئة إلى درجة استفزازه بالحديث الهادئ و كأنها تحدثه عن حالة الطقس لكن و كأن تصرفاتها اليوم متعمدة لاستفزازه أو من الممكن أن تكون تلك الحالة المصاحبة له منذ أن رأي لهفة حقيقية وواضحة داخل عيني عمه و هو يحادثه عن عودة مؤكدة لصغيرته الغائبة هو غاضب و الآن سوف يفسد الأمر كله مع تلك الفتاة الباردة بمنظوره الخاص !
تنهد و أغمض عينيه يقول بهدوء مصطنع فور أن زفر أنفاسه
تمام
يااسديم ! خلينا متفقين إننا مجبرين على التعامل مع بعض الفترة الجاية لحد ما كل واحد يخلص من التاني أنت تاخدي فلوسك اللي اتفقنا عليها و أنا انقذ عمي و عيلتي !
راقبت سديم ملامحه المرهقة لحظات معدودة قبل أن تعتدل بجلستها مرة أخرى و تنظر أمامها قائلة
أوكاي ولحد ما ده يحصل خد بالك من طريقتك معايا بقا !
لم تحصل على اجابه منه
بل أدار السيارة مرة أخرى و أكمل الطريق شاردا بعواقب فعلته إنه يخدع عائلته بأكملها لكنه يحب عمه عاصم بشكل لا يوصف إذا لا بأس و لا مفر من بضعة قرارات هوجاء لأجل استقرار الجميع !
وأننا نعشق الاختيارات التي تضعنا على حافة الهاوية !
أغلال الروح
شيماء الجندي
بينما داخل البناية الخاصة ب آل الجندي بدأت التحضيرات على قدم وساق منذ الصباح الباكر حيث أصرت الجدة القعيدة أن تشرف على جميع مايخص استقبال حفيدتها الغائبة عن الوطن منذ أعوام وقد كان !
عم الابتهاج المنزل بانتظار رؤية مدللة أبيها و الآن فور أن أصبح كل شيئ على مايرام يمكننا أن نقول مرحب بعودة الصغيرة الغائبة !
فور أن هبطت سديم من السيارة انطلقت الألعاب الڼارية و وجدت اسم سيلا الجندي يزين السماء أعلى المبنى التى اصطفت أمامه سيارة آسر اتسعت عينيها حين انطلق عاصم تجاهها مثل السهم يحتضنها بقوة هادرا بحماس غلف نبرته
حمدلله على السلامة ياروح قلب بابااا !
ببادئ الأمر أصابتها صدمة و ذهول من فرط حماس ذاك الرجل الخمسيني الذي يحتويها الآن داخل حضنه الأبوي باشتياق واضح و محبة خالصة و تدريجيا غادرها التوتر و انتهت الرجفة الخفيفة التي كانت تسيطر على جسدها و رفعت يدها تربت فوق ظهره بلطف هامسة بحزن
الله يسلمك يا بابا !
اخرجها من أحضانه و البهجة تتراقص داخل عينيه متأملا ملامحها و ارتفعت يديه يكور وجهها قائلا بتوتر
إيه الجمال دا ياسيلا بقيتي زي القمر أناا آآ مش مصدق إني شايفك دلوقت !
حاولت رسم بسمة مزيفة فوق شفتيها بدأ تعاطفها تجاهه يتراقص بين جنبات قلبها وسؤال واحد يدور بعقلها ألا وهو كيف لها أن تحاول خداع مشاعره الصادقة تجاه فتاته المفقودة منذ أعوام أفاقت من مشاعرها المتضاربة على نظرات آسر المندهش من صمتها حيث وقف خلف ظهر عمه و سلط نظراته فوق ملامحها المتوترة في حين سقطت دموع الفرح من عيني عاصم مما دفعها إلى احتضانه بصمت و قد عجزت عن الحديث و المراوغة معه اندهشت من حالها و لم تتخيل أن مشاعر هذا الأب سوف تتسبب لها بالعجز والتوقف عن الاسترسال بتلك المسرحية الهزلية !
أغمضت عينيها تشعر به يضمها بقوة إلى أحضانه و يبكي بصوت واضح و مرتفع اخجلها من حالها و تأثر الجميع و سيطرت العاطفة على الموقف خرجت سديم من إطار إتقان دورها و ربتت فوق ظهره بتعاطف و حزن صامت إلى أن قاطع الموقف صوت يوسف صائحا
إيه يااعمو مش كدا جايبين البنت من كندا ننكد عليهاا ولا إيه !! بعد إذنك بس نسلم كداا !
تركها عاصم ضاحكا من بين دموعه و قال بتوتر
ننكد إيه أنا بس مش مصدق إني شايفها ولامسها في حضڼي كدا !
ربت يوسف فوق كتف عمه ثم قال موجها حديثه إلى سديم
بس إيه الجمال دا كله ياسيلا شغل مستورد اوي يعني ! مش فاكراني اكيد !
قاطعه سليم ابن عم آسر ضاحكا و هو يغازلها غامزا لها
مش فكرانا إيه دي كانت مسافرة مش فاقدة الذاكرة مش القمر فكراني برضه
صرفت سديم نظراتها عن عاصم و ابتسمت لهما قائلة بلطف
احم بمناسبة سيلا دا أنا مش بحبه قولولي سديم ! أما فكراكم دا أكيد طبعا ! وكمان أنا شوفت صوركم وأنا بدور على بابا ! أنت سليم أكيد !
ثم صافحت يوسف قائلة
و أنت طبعا يوسف !
ابتسم لها و أجاب وهو يتفحصها بعينيه بانبهار واضح
الله ينور عليك أنا يوسف و أهم واحد في العيلة دي خدي بالك !
ضحكت بخفة لدعابته و اقتربت منها نريمان تقول بترحيب
حمدلله على السلامة ياروحي ! نورتي بيتك !
ابتسمت لها سديم و قالت بلطف
ميرسي ليك جدا !
ابتسمت لها نريمان و جابت عينيها جسد سديم الممشوق و ملامحها المشابههة لوالدتها الكندية بنسبة صغيرة حيث ورثت عن أبيها أغلب الملامح تلك بالتأكيد ابنه عاصم الجميلة هي تذكر جيدا ملامح الصغيرة حين رحلت مع أمها الكندية كما يغمرها الآن شعور بالارتياح تجاه تلك الفتاة لاحظ آسر شرود زوجة عمه بها و راوده الارتياب أن تكون قد لاحظت أمر ما أو أصابها شك تجاه سديم مما دفعه إلى التساؤل
إحنا مش هندخل ولا إيه
هزت رأسها بالايجاب سريعا واتجهت إلى الداخل معهما تردف بخجل طفيف من شرودها بالفتاة
سوري حبيبتي أنا بس مش مصدقة الشبه بينك وبين عاصم أصل كل البنات اللي كان بيفكرهم أنت يعني مكنتش برتاح ليهم ولا لملامحهم لكن أنت غير خالص !
اتجه عاصم إلى ابنته و أحاط كتفيها قائلا بلطف
أعمامك جوا مع تيته ياسيلاا ! اقصد ياسديم آآ
قاطعه سليم قائلا بدهشة
هو أنت غيرتي اسمك لوحدك
هزت رأسها بالإيجاب و قالت بهدوء
آه أنا محبتش اسم سيلا و بحب سديم أكتر !
قال عاصم بلطف
أحسن برضه سديم أجمل بكتير أنا مكنتش موافق على الاسم دا زمان أصلا !
ابتسمت له سديم و هدر يوسف من الخلف مداعبا عمه
ما شاء الله عليك ياعمو رفضت سيلا زمان وموافق على سديم دلوقت
رفعت سديم حاجبها و أدارت جسدها تنظر إليه بدهشة قائلة بنبرة تحذيرية
ليه هو سديم وحش
رفع يوسف يديه باستسلام و أردف ضاحكا
ده مفيش أجمل من الاسم وصاحبة الاسم !
ضحكت سديم و واصلت سيرها ثم تقدم يوسف يسير بجانبها متحدثا معها لكنها انشغلت بالنظر إلى الحديقة من حولها حيث اعجبها الطراز الخارجي الخاص بالبناية والحديقة و لاحظت بيوت خشبية أنيقة و صغيرة منقوش فوقها اسماء من الواضح أنها تخص الحيوانات الأليفة داخل المنزل اندهشت من فكرة تأسيس المنزل بطريقة تختلف عن المألوف حيث من الواضح أن المساحة شاسعة و استغلها أهل المنزل بطريقة مٹيرة لدهشتها وجدت سيارة آسر التي اصطحبها بها من المطار تدلف إلى الداخل بقيادة سليم الذي انفصل عنهم وخمنت وجود مكان في الخلف خاص بالسيارات وصلت اخيرا إلى البوابة الصغيرة الخاصة بالبناية و اخرجها عاصم من جلسة انبهارها قائلا بتوضيح
طبعا مندهشة من كل دا أصل آسر اقترح إننا نستغل المساحة بطريقة جديدة و عملنا لكل عيلة دور منفصل و آآ
قاطعه يوسف مشيرا إلى المنزل الفريد و المنفصل عن البناية و قال بتوضيح
وده بيت آسر لوحده منفصل و ورا فيه صالة
الچيم و كدا !
هزت رأسها وقالت مداعبة إياه بخفة
اممم مهتم أنت أوي بالتفاصيل !
ضحك يوسف وبرزت غمازتيه و قال هامسا لها
أنا أهم حاجة في حيااتي التفاصيل فكريني افرجك البيت بتاعه تحفة من جوا بس وهو مش موجود عشان بېخاف أوي على حاجته !
راقب عاصم ضحكات ابنته و حديثها مع ابن اخيه ببسمة هادئة و شغف واضح ثم قال مقاطعا تواصلهما
يلا ياحبيبتي جدتك مستنياك !
ثم اكمل شرحه للمنزل قائلا
أول دور دا أنا عايش فيه مع جدتك و طبعا أنت تختاري تحبي نقعد هنا و تاخدي الدور اللي فوق بتاعنا
اتجهت سديم معه إلى الداخل و ابتسمت بهدوء ثم أجابت بحيرة
زي ماتحب !
راقبت سديم عبارات الترحيب بها فوق البالونات الهوائية و تلك
القطع التي ارتصت فوق الأرضية الرخامية بشكل أنيق