رواية غير قابل للحب للكاتبة منال سالم
العواصف التي خضتها في الساعات السابقة حقا أردت الاختلاء بنفسي لأفكر بجدية فيما فعلت كنت بحاجة للشعور بدفقات الماء الدافئ تنساب على جسدي فتخفف من حدة التصلب المستبد بعضلاتي استرخيت مع استمرار تدفق المياه شعرت بأني أزحت ثقلا عني ونفضت الكثير من
الهموم بهذه الخلوة اللطيفة كذلك استطعت أن أمنح عقلي مساحة للتفكير بروية وبذهن خال من الضغوطات المربكة
خرجت من المغطس بعد أن لففت المنشفة حولي كان فيجو محقا أنا من سأعاني في النهاية كنت ممتنة أن هذا العڈاب لم يستمر كثيرا وانقضي بذهابه تحركت نحو المرآة لأنظر إلى وجهي من خلف آثار البخار المتجمعة على سطح الزجاج كنت باهتة مشوهة لا أشبه نفسي مسحت بيدي مساحة من الزجاج فبرزت عيناي كانتا مليئتان بالحزن تعيستان بعيدتان كل البعد عن السعادة والسرور أغمضتهما لئلا أرى هذا الشحوب الأقرب للموتى المنتشر في ملامحي واستدرت بعيدا عن المرآة لأبحث عما أرتديه فلن أظل ما تبقى من اليوم هكذا
تابعت سخريتي وأنا أرجع رأسي للخلف لأريحها على ظهر الأريكة
كان ينقصنا بقع الډماء ليبدو المشهد متكاملا!
حاولت أن أبث الدفء إلى جسدي فما موجود من ثياب كان لا يكفي لمد هذا الإحساس إلى أوردتي كنت أرتجف بشكل ملحوظ لهذا قررت النهوض من جلستي وأخذ الغطاء الآخر لألفه حولي لم أرغب في الاستلقاء على السرير كنت أريد الاستعداد لمواجهة فيجو حين يعود لهذا عدت إلى موضع جلوسي وتدثرت بالغطاء فبدأ الدفء يتسرب إلى أسفل جلدي ليتضاعف إحساسي بالاسترخاء
رفرفت برموش عيني بضعة مرات لاستفيق بالكامل وتكلمت إليها في نبرة متحيرة
نعم من أنت
قمت واقفة وأنا أسمعها تحادثني من وراء الباب
أنا الخادمة سيدتي إنهم ينتظرونك بالخارج
سألتها في استفهام مشبع بالفضول
من ينتظرني
فركت
جبهتي ونفضت شعري المشعث لأمشطه بأصابعي لأسمعها تجاوبني في نفس اللهجة الرسمية
السائق مع أفراد الحراسة
أصابتني الحيرة وسألتها مستوضحة
لماذا
لم أحصل على الجواب الشافي عندما نطقت
جاءت الأوامر بالذهاب من هنا
نفخت في تبرم منزعج من هذا التسلط الظاهر وإن كان على يد الخادمة وقلت وأنا أدور بناظري في الغرفة لأثبتها على خزانة الثياب
حسنا امهليني عدة دقائق
ردت في تهذيب من مكانها بالخارج
في انتظارك سيدتي
تساءلت مع نفسي وأنا أتحرك صوب الخزانة
كم الوقت الآن
فتشت عن ساعة الحائط فلم أر واحدة لهذا اتجهت نظراتي نحو الكومود حيث من المفترض أن يوجد منبه موضوع بجوار الفراش وجدت ضالتي وحسبت الزمن الذي استغرقته للنوم فأدركت أني تجاوزت الساعتين سحبت شهيقا عميقا لفظته دفعة واحدة متذكرة فقداني لهاتفي المحمول فدمدمت في ضيق
اللعڼة ليته كان معي
ضغطت على شفتي قائلة
أحتاج للاطمئنان على صوفيا وآن
تعلقت أنظاري بالباب مرة ثانية وخاطبت نفسي في رجاء
ربما هما بالخارج تنتظراني أيضا
أردت التمسك بهذا الأمل البسيط لئلا أرهق عقلي في التفكير في الأسوأ رغم حدسي بأن فرصة رؤيتهما ربما تكون محدودة محدودة للغاية
أحدثت معدتي صوتا يشبه الزئير قبل أن اقتربت من الباب تحسستها بيدي لم أرد الذهاب وأنا جائعة فأسرعت في خطواتي تجاه المائدة لأخذ ثمرة التفاح قطمتها في تعجل وأخذت ألوك القطع الصغيرة بسرعة لابتلعها دون اشتهاء مجرد ما يسد رمقي نظرت مرة أخرى لهيئتي في المرآة بعد أن ارتديت ثوبا أرجواني اللون لم يظهر سوى ما بعد ركبتي وعنقي البض أما عن كميه فقد وصلا إلى رسغي ظهرت أنيقة وإن كان الحزن مرسوما على قسماتي عاودت أدراجي تجاه باب الغرفة لأطرق عليه بقبضتي فقامت الخادمة بفتحه يا لسخافة الموقف! أنا حبيسة المكان كسجينة ذليلة!
كنت ممتنة في نفسي أني غير مضطرة لتبرير ما يحدث معي من تصرفات غير لائقة للخدم فالجميع يعلم مدى تسلط زعيمهم وربما مجرد التطرق لمناقشة أوامره يعني إنهاء حياة أحدهم لا إنهاء وظيفته سرت في خيلاء حفظا لماء وجهي ومن ورائي تبعتني الخادمة كظلي سألتها حين اقتربت من سيارة الدفع الرباعي التي تنتظرني
أين هي والدتي وشقيقتي الصغرى
جاء صوتها من خلفي موضحا
لا أعرف سيدتي
سألتها في شك
ألن تأتيا معنا كانتا هنا منذ الصباح
قالت في نفس الصوت الهادئ
ليس لدي فكرة
غمغمت مع نفسي في استياء مزعوج
ومن لديه إذا!!
تقدم ناحيتي أحد أفراد الحراسة كان ضخم الچثة طويل القامة قفز قلبي خوفا من ملامح وجهه المشوهة بچروح متفرقة تبدو أنا ناجمة عن اشتباكات عڼيفة ازدرت ريقي ونظرت إلى يده الممدودة عندما قال في صوت أجش
تفضلي من هنا
اتجهت إلى حيث أشار نحو باب السيارة الخلفي وأنا أردد بلا صوت
يا للسخرية! لقد كلف نفسه العناء وأحضر لي وحشا لحراستي!
استقل هذا الحارس المقعد الأمامي بعد أن لوح بيده لآخرين ليتبعوا سيارتي التوى ثغري في تهكم وأنا أحدث نفسي
ألا يثق بي!
استدرت برأسي نحو النافذة وحملقت في الفراغ متابعة حديث نفسي
وأنا مثله لا أثق به على الإطلاق
توقعت أن تعود بي السيارة إلى القصر المعزول لكن لدهشتي اتجهت إلى حيث أرقى المناطق بالمدينة تلك التي لا يسكنها إلا الأكثر ثراء على الإطلاق شعرت بتباطؤ السرعة وهي تقترب من إحدى الكتل المعمارية المكونة من أبراج شاهقة ناطحات سحاب على وجه التحديد تبدو كأنها صنعت من الزجاج فقط لا يمكن لأقدام البشر أن تطأها بسبب فخامتها المهيبة توقفت السيارة عند مدخل واحدة من هذه الناطحات العملاقة فأرجعت رأسي للخلف محاولة رؤية نهايتها فلم أتمكن انعكس الانبهار
على محياي ونطق لساني بغير صوت
يا إلهي كيف يكون المنظر من الأعلى
تنبهت للحارس وهو يخاطبني في رسمية
تفضلي من هنا
ضممت شفتي معا وخرجت من السيارة لأسير على الرخام اللامع بخطوات ثابتة تجاه الاستقبال ومن ورائي فريق من الحراسة الخاصة لمحت من طرف عيني العيون الفضولية المتطلعة إلي كنت أرتجف من الداخل بالرغم من جدية ملامحي لكني لا أحب أن أكون محط الأنظار أبدا هناك بالداخل تم الترحيب بي باحترام شديد وكأني واحدة من زعماء الدول القادمين في زيارة رسمية تعجبت من هذا الاهتمام المبالغ فيه ومشيت مع الموظف الذي راح يشرح لي في عبارات موجزة عن مهامه المنوط بها معي إلى أن وصلت للمصعد اختتم حديثه قائلا بلباقة
سيدتي إن احتجت لأي شيء فقط ارفعي سماعة الهاتف واضغطي على الرقم صفر
ابتسمت في لطافة هاتفة
شكرا
لم أفهم سبب إحضار فيجو لي هنا في هذا المكان الغريب وبطبيعة الحال لم أتوقع أن انتقل للإقامة في واحدة من هذه المناطق العامرة بالحركة نظرا لظروف عمله المحفوفة بكل ما هو خطېر ومهدد توقف المصعد عن الحركة في المنتصف تقريبا كنت أشعر باضطراب أنفاسي حتما إن حاولت النظر من النافذة فقد يطيح الدوار برأسي حين خطوت في الممر رأيت كيف يبدو كل شيء بالخارج ضئيلا للغاية خلال نظراتي الخاطفة عبر الحوائط الزجاجية الممتد إلى حيث يتواجد باب منزلي توقفت عندما تسمر الحارس في مكانه ليخبرني
ستجدين كل ما تحتاجين إليه متوفرا بالداخل
تقدمت للأمام لأتخطى عتبة الباب فتابع من ورائي
وستأتي الخادمة بعد قليل للمكوث معك سيدتي
هززت رأسي في تفهم وقلت باقتضاب
شكرا
محبسي الجديد!
تأملته بتدقيق بعد أن انصرف الحارس الضخم لأجد ما تم وضعه من أثاث حديث يتخذ اللون الأسود تساءلت في تعجب ويدي تمسح على جلد الأريكة
لماذا يفضل رجال العصاپات اللون الداكن دوما هل محظور عليهم استخدام أي لون آخر هل سيتعارض مع طبيعتهم الۏحشية أم ينتقص من قدرتهم القتالية
تجولت في البهو واقتربت من الحائط الزجاجي كان المنظر مهيبا ومخيفا في نفس الآن تشعر حين تتطلع من هذا العلو أنك ملكت الكون بأسره متحكما في زمامه ارتجفت لمجرد الفكرة فأنا أبسط من هذا التعقيد شعرت ببرودة غريبة
تجتاحني وتراجعت بعيدا عنه لأستدير ناظرة لهذا البار المقارب للواجهة يبدو أن اختيار وضعه في هذا الركن لإكمال مشهد الجمال المبهر مع تذوق الأجود من الخمور وقفت أتأمل قنينات المرصوصة بعناية على الأرفف اقتربت من واحدة لأنظر إلى تاريخ صنعها تفاجأت أنها تعود لعشرات العقود افترت شفتاي عن دهشة وأنا أتساءل
كيف حصل على هذا النوع إنه لم يعد يصنع!
وضعتها بحرص في مكانها وأكملت تجولي في المنزل لأكتشف باقي الغرف بروية فالوقت هنا يسير ببطء ممل ولا أظن أنه سيمر سريعا
فقدت العد تقريبا وأنا أجلس على المقعد الوثير أضغط على زر إنارة المصباح قبل أن أطفئه من جديد لأكرر نفس الحركة الرتيبة بعد أن مكثت لساعات طويلة بمفردي معزولة فعليا عن الجميع سئمت من الانتظار غير المجدي وحين رفعت هاتف السماعة لأتصل بالاستقبال جاء الرد الرسمي بأن ما ينقصني سيتم إرساله فورا إلي لكن لا معلومات متوفرة لديهم عن فيجو
حاولت أن أقضي على إحساسي بالضجر