رواية عينيكي وطني وعنواني للكاتبة أمل نصر
اليدوية.. قبل ان تنصرف هي الاخرى وتعود لمنزلها.. وسط انهماكها وصل لأسماعها صوت صفير من الفم بصوت خفيض .. رفعت راسها لتتبين مصدره ناحية الباب المفتوح بمواربة صغيرة ولكنها لم تجد احد فعادت لما تفعله فتكرر الصوت مرة أخرى واثنان وهي ترفع عيناها ولا تجد سوى الهواء.. زفرت بغيظ وهي ترجح بانها معاكسة من إحدى الطالبات لتستفزها فتناولت عصا خشبية تستخدمها ساعة الضرورة في التدريس وذهبت لتفاجأ من يشاكسها .. رفعت يدها الممسكة بالعصا بتحفز وهي تمسك بمقبض الباب لتفتحه لتباغت من يقف خلفه. لتفاجأ بشهقة انثوية ضاحكة
فغرت فاهاها بشهقة هي الأخرى مشتاقة لصديقتها التي ارتمت عليها تعانقها
سحر!! وحشتيني يامجنونة.. وحشني جنانك .
سحر وهي تشدد عليها بذراعيها وهي تقهقه بمرح
مش اكتر مني يا فجر وربنا.. مش اكتر مني .
بشويش ياجماعة على نفسكم.. دول اخرهم اسبوعين فراق مش سنين يعني .
اوعي تقولي انك معرفتهوش والنعمة ازعل منك .
رفغت فجر عيناها اليه مرة اخرى فهزت براسها ضاحكة حينما تذكرت ملامح وجهه
لا ماتزعليش مني ياسوسو.. انا دلوقتي حالا افتكرته من الصور اللي انتي بعتيهالي.. استاذ رمزي صح
صح فعلا يا انسة فجر .
رحبت فجر بمصافحته الودودة وانتقلت عيناها لسحر التي تورد وجهها بفرحة جعلت ملامحها تبدوا كامرأة اخرى شديدة الفتنة والجمال .
طب إيه هانفضل هنا واقفين عالباب والطالبات يبصوا علينا ..تعالوا ندخل جوا الغرفة على الاقل نقعد بدل الوقفة .
دلف لداخل منزله المتواضع پغضب حارق تتبعه شياطينه حتى أنه لم يلتفت للطفلة الصغيرة التي كانت جالسة على الاريكة الخشبية والخاصة بوالدته تشاهد التلفاز.. هتفت بمرح
خالي سعد.. ازيك ياخالي .
لم يسمعها ولم يرها أيضا وهو يسرع بخطوات ناحية غرفته.. والتي بمجرد دلوفه إليها صفق بابها يغلقه بقوة اجفلت الطفلة ذات السبع سنوات منتفضة.. وجعلت والدتها تخرج من داخل المطبخ سائلة وهي تجفف يداها
ايوة ياماما.. خالي سعد ودخل على اؤضته وقفلها عليه كمان من غير مايعبرني ولا يرد عليا حتى.
تمتمت المرأة وهي تخطو ناحية الغرفة
خالك سعد!! مش بعادة يعني يجي بدري كدة
طرقت بخفة على باب الغرفة فوصلها صوته من الداخل
مش عايز اشوف حد .
انا اختك لبنى ياسعد...
لم تكمل جملتها حينما قاطعها صارخا بصوت جهوري يصم الاذان
ارتدت عائدة لوالدتها في مطبخهم الصغير وهي ترتجف
اخويا سعد ماله ياما
سالتها نشوى بهدوء وهي متربعة على ارضية المطبخ تنزع بيدها ريش الدجاجة المذبوحة
مالوا اخوكي يابت
بصوت مرتعش وهي تتربع امامها على الارضية
دخل اؤضته زي القطر واما خبطت على باب الاؤضة عشان اشوفه او اسلم عليه.. صړخ عليا خضني وقعد يقولي ابعدوا ومش عايز اشوف حد فيكم..هو ماله ياما
نشوى وهي تعيد الدجاجة داخل إناء المياه الساخنة قبل ان تخرجها مرة اخرى وتكمل ما تفعله
يعني هايكون ماله يعني دا واد نكدي ېموت لو ملاقاش حاجة ينكد بيها على نفسه وعلى اللي حواليه..لا هو وصغير راضي ولا حتى بعد ما كبر وربنا فتحها عليه راضي.. عيل فقري.
بس انا خۏفت اوي من شخطته فيا يااما.. هو انا باجي عندكم كل يوم عشان الاقي منه المعاملة العفشة دي.
قالت نشوى بتحدي
ليه ياعين امك هو انتي قاعدة في بيته دا انتي قاعدة في بيت ابوكي ومع امك مش مع مراته.. سيبك منه يابت ومن قرفه واستني كدة لما اعملك طبق ملوخية تاكلي صوابعك وراه على مرقة الفرخة دي.. عشان ترمي بيها عضمك ياعين امك .
اندمجت لبنى مع والدتها في حديث الطعام الشهي وتناست سعد وما يفعله ..فسالتها
طب مش كان احسن ياما تخلي سيد الفرارجي ينضفها بالمرة بدل تعب القلب ده
ردت نشوى باقتناع
في بيتنا احسن يابنتي.. عند سيد الفرارجي اكيد هاينقصها من حوايجها!
.............................
وبداخل غرفته كان كالبركان الثائر بنيران الحقد.. صوت انفاسه الهادرة مسموعة بوضوح داخل فضاء الغرفة .. ترتعش مقلتيه باضطراب وهو يستعيد بذاكرته وجه غريمه من وقت أن سمع بإسمه.. والذي عاد الان بعد كل هذه السنوات لينبش في الماضي الذي تظل اثاره عالقة بذهنه ولا تتركه حتى بنومه من أحلام تقبض على صدره لتذكره دائما حينما يغفل أو يحاول المضي قدما بحياته فلا ينسى ابدا ماحدث بوقتها ولا ينسى ما سبقها من سنوات كان يتألم وېحترق فيها صامتا ولا يشعر به أحد.. نشأته الصعبة وهو صغير حينما كان فقيرا معدما بجسده الضئيل الذي لالطالما أغرى أقرانه الصغار في الحارة ليتنمروا عليه فيسحقوا ضعفه بالإهانة والاعتداء لولا وجود علاء المصري الذي كان رغم صغر سنه يقف بوجههم لمناصرته واخذ حقه وقت الزوم..كان مصدر حماية وأمان له.. أحبه كشقيق لم تلده أمه رغم شعور النقص الذي كان ينموا بداخله مع نمو جسده.. فقد من الله على علاء بالخلقة الحسنة والجسد الرجولي الخشن منذ صغره بالأضافة لمال ابيه وحسبه ونسبه.. عكسه هو الذي كان يرى النقص في كل شئ حوله.. لكنه كان يكيف نفسه ويتعايش مع هذا الشعور البغيض بفضل تواضع علاء معه الذي كان يغدق عليه بالحنان الأخوي بما يخفف عنه.. لكن مع دخول مرحلة الجامعة وتعرف علاء على هذا المدعو عصام ابن الطبيب الشهير.. انقلبت حياته لمرار وهو يرى نمو الصداقة بينهم بتكافئ مذل له.. بل ومهين وهو يرى التفاف الاصدقاء حولهم من فتيات وشباب وكأنهم نجمان متلألان.. الكل يتهافت على التعرف اليهم وهو بينهم على الهامش وغير مرئي اطلاقا وتمر السنوات وتتطور العلاقة ليحتل هذا العصام مكانه في الحارة ايضا بعد الجامعة.. فيأسر قلوب الطبقة الفقيرة من اصدقاء وجيران لهم.. وكأنه فرد نشأ وتربى بينهم.. وهو على حاله دوما غير مرئي ولا أحد يشعر به ولا أحد يسمع صمته.. حتى اتى هذا اليوم حينما راها بسيارته هي حب عمره وحلم حياته.. في سيارته.. فكانت هي الفرصة.
التمعت عيناه فجأة وهو يعيد بعقله ماحدث قديما.. ويقسم بداخله على النجاة وان كان الله انقصه من نعم كثيرة انعم بها على غيره.. فقد ميزه هو بالدهاء والذكاء.. وكما نجح قديما فلابد له من النجاح الان ايضا مهما كان الثمن!
..............................
في المساء
تفاجات فجر وهي تجلس امام شاشة التلفاز تشاهد إحدي البرامج بعودة شقيقتها من مشوارها بصحبة خطيبها بوجه يشع بالسعادة عكس ما خرجت به.. تدندن بصوتها وهي تقترب منها لتناكشها و تغني .
عارف انت الحظ بعينه ..كان وشك حلو عليا
كل اللي الناس شايفينه.. مايجيش واحد في المية
مللي انا لسة ماقولتوش.. انا