الأربعاء 27 نوفمبر 2024

رواية غير قابل للحب للكاتبة منال سالم

انت في الصفحة 26 من 59 صفحات

موقع أيام نيوز


أمعنت التدقيق في تفاصيلها بدا من حولها مألوفين لي لقد كانوا مثلها في أعمار أصغر قلت مبهورة وأنا أجلس على مسند الأريكة لأتأملها معها
أوه صوفيا إنها رائعة 
حركتها والدتي للجانب قليلا لأراها بوضوح فسألتها في فضول
من أين أتيتي بهذه الصورة
أجابتني بعد تنهيدة متمهلة
كانت معلقة على الجدار في منزل رومير 

اندهشت لخروجها من القصر الذي بدا كسجن أبدي لجميع من يمكثون فيه وسألتها في عدم تصديق
هل ذهبت إلى هناك اليوم
أومأت برأسها قائلة
نعم اصطحبني أفراد الحراسة إلى بيته ووجدتها معلقة فأخذتها 
لن أنكر أني شعرت بالغيرة قليلا لتنعم والدتي بقدر من الحرية على عكسي لم أفارق جدران هذا القصر رغم اتساعه وكأنه محظور علي وطأ ما يتجاوز أسواره العالي عدت للانتباه لكلامها عندما تابعت
أنا
أخرجتها من الإطار لأنظر إليها 
اقترحت عليها بابتسامة منمقة
يمكننا أن نضعها في واحد جديد لونه فضي 
استعادت الصورة ڼصب عينيها واستطردت في ألم محسوس في نبرتها
أتعلمين في هذه الصورة ملخص حياتي 
وافقتها في وصفها الدقيق فإلى اليسار كان يقف والدي يحاوطها من كتفها وأنا أجثو على ركبتي بثوب منفوش أما على اليسار فوقف خالي رومير وإلى جواره أندرو كانوا جميعا يضحكون في مرح أشرت بإصبعي نحو أحدهم قائلة باشتياق وهناك حز خفيف في قلبي
ذلك أبي 
رأيت الحزن ينعكس على ملامح والدتي وهي ترد
نعم العزيز توماسو 
هتفت في حماس يشوبه الدهشة
لا أصدق أندرو كان رفيعا للغاية 
نظرت إلي بعد أن ضحكت وعلقت
نعم لا أعرف ما الذي أصابه ليسمن سريعا كما أنه كان صديق والدك قبل أن أتزوج به 
على حسب الأعراف المتبعة في عائلات الماڤيا حين يتوفى الزوج ويترك أرملة صغيرة بمفردها مع صغار ضعاف يتم تزويجها لأقرب شخص على صلة وثيقة بالعائلة وممن ينتمون للچماعة وهذا ما حدث مع أمي بعد اغتيال توماسو تقدم أندرو لخطبتها وتزوجا بعد بضعة أشهر لرعايتنا وتولي شئوننا ملت نحو والدتي بعد أن وجدت الدموع محتجزة في مقلتيها حاوطها بذراعي لأضمها إلي وأنا أقول
كلاهما في النعيم الآن لا تحزني 
ردت في هدوء
أتمنى ذلك 
شتت أحزانها بقولي الساخر وأنا أشير نحو هيئتي
انظري إلي كنت أشبه الدمي 
رفعت يدها لتداعب وجنتي بدلال وعقبت
بل أجمل بكثير 
ابتسمت لتدليلها وأصغيت إليها وهي تقول
كنت في عامك الرابع على ما أظن 
أشرت نحو الرضيعة هاتفة في صيغة تساؤلية بمرح
أهذه آن كانت تشبه الملائكة 
اهتزت رأسها بهزة خفيفة حين جاوبتني
نعم كانت صغيرة للغاية 
كنا في ميلانو آنذاك في فيلتنا الصغيرة ذات الحديقة المحدودة بعيدا عن هذه المدينة الموحشة الغارقة في أشباح المۏت لكنها كانت جنتنا اللطيفة بعيدا عن العصاپات وحاصدي الأرواح كنت مسترخية التعبيرات وهي تكلمني
لا تزال تفاصيل هذه الصورة حاضرة في ذهني رغم أني لا أتحدث عما حدث آنئذ كثيرا 
حلت غضاضة موغرة في روحي بعد هذه العبارات حيث أشعرتني بوخزة مزعجة في قلبي لفظت الهواء من رئتي ببطء خاصة عندما أخبرتها بصعوبة مقاومة تأثير مشاعري المرهفة على صوتي
أذكر أن والدي توفى بعد التقاطها بمدة قصيرة 
صححت لي فيما بدا لي صدمة جلية
لا في نفس اليوم 
صحت في دهشة
معقول لكنك أخبرتني بغير هذا 
رمشت بعينيها مؤكدة
لم أرغب في إحزانك خاصة أن ما حدث كان بشعا للغاية 
راحت والدتي تسحب شهيقا عميقا تحفز به نفسها كأنما تستعد لمهمة جديدة باتت إلزامية عليها أرادت للمرة الأولى بعد سنوات إطلاعي على حقيقة ما دار على خلفية ذكرى التقاط هذه الصورة تحديدا 
تتابعت على رأسي الذكريات المفجعة الحزينة تلك التي كانت إلى حد كبير مبهمة منقوصة غير مفهومة بالنسبة لي خاصة مع صغر سني وتواجدي حول أشخاص يرتدون البذات السوداء وسيدات تبكي وتنوح في لوعة سردت صوفيا پألم التفاصيل المرتبطة بحاډث ۏفاة والدي حكت أنه تم إخبارها من قبل توماسو بتجهيز غرفة الاستقبال وإعداد أصناف الطعام الشهي من أجل الزوار المهمين القادمين لعقد اتفاق تصالح لضم الصفوف وتوحيد الجبهات ضد الھجمات الغادرة من الجماعات الأخرى المنافسة لهذا حرصت والدتي على إظهاري بمظهر لائق وأفرطت في تزييني كما فعلت مع شقيقتي ونفسها 
أخبرتني أن رومير حضر لهذا الغداء قبل أن يأتي الضيوف ومعه أندور التقيا بزوجها ومكث ثلاثتهم لبعض الوقت إلى أن كانت أصوات جدالهم عالية بعض الشيء حضرت على عجل متوجسة خيفة من حدوث مشكلة ما نهرها شقيقها لتدخلها غير المسموح وطلب منها عدم تكرار
الأمر مهما سمعت من حوارات خاصة حين يأتي الزوار إلى هنا بالطبع لم تكن لتخالف أي أوامر موجهة إليها سواء من شقيقها أو زوجها فكلاهما من كبار قادة الماڤيا 
لاحقا أخبرتني أنها استقبلت مكسيم وابنه البكري وماركوس أعطهم المشروب وغادرت سكتت لبرهة ولم أجازف في قطع فترة صمتها على ما يبدو كانت تستحضر كافة ما يتعلق بالذكرى من مشاهد مؤلمة قالت أنها عادت بعد برهة على الصړاخ المنادي
صوفيا 
جاءت مهرولة تقول في طاعة
ما الأمر
أخبرها مكسيم في لهجته الحازمة
أخرجي هذا الصبي من هنا 
توجهت أنظارها نحو الفتى المتجهم كانت عيناه ملتهبتان ووجهه يشتعل من صدغه ظنت أنه ربما تلقى صڤعة عڼيفة فهناك آثار أصابع محفورة على بشرته تشتت نظراتها عنه لتسمع ماركوس وهو يقول مبررا
اهدأ مكسيم إنه غض غير ملم بالقواعد بعد 
صړخ معترضا في صوت أجش صارم
ابعده عن ناظري وإلا سأقتله من يخالف الأوامر لا يحق له الحياة وإن كان من صلبي 
انتبه رومير لوجودها فصاح بها في تعنيف
أنت لا تزالين هنا خذيه واذهبي 
هرولت نحو الفتى تمسكه من ذراعه لتسحبه خارجا وهي تقول في انصياع مرتاع
حسنا 
ما إن ابتعدت به عن محيطهم حتى سألته في اهتمام أمومي
هل أنت بخير هل أحضر لك ثلجا
نفض يدها المقتربة منه وقال في عدائية صريحة
لا تلمسيني 
ثم تركها وركض خارج بهو الفيلا ليبقى بمفرده في الحديقة احتارت صوفيا في التصرف معه لم تتعامل سابقا مع أمثاله من حادي الطباع لكنها تذكرت أنها مضطرة لتجهيز المأدبة في عجالة لذا لم تلحق بالفتى وانشغلت بمهامها المنزلية 
عادت أمي من انخراطها في دوامة الماضي لتخبرني والدمع يسيل من عينيها بأن ما تلى ذلك كان دمويا بشكل مخيف رددت بصوت متهدج
انطلقت الأعيرة الڼارية من الداخل وعلمت فيما بعد أن توماسو سقط صريعا في دمائه 
اهتز كل ما بي لمجرد تخيل المشهد في رأسي بكيت في صمت ووالدتي لا تزال تتكلم
كنت في قمة ړعبي لم أخرج من المطبخ واختبأت أسفل الطاولة متوقعة مجيئهم لقتلي أيضا 
احتضنتها في خوف غريزي فأكملت وهي تريح رأسها على صدري
المرعب في الأمر أنك صغيرتي كنتي في الحديقة وآن كانت مع المربية بالأعلى كنا حرفيا تحت الحصار 
أجهشت صوفيا بالبكاء وبدا مسموعا فطلبت منها برفق
لا داعي أمي من فضلك اهدأي 
وكأني أحادث الفراغ واصلت سرد ذكرياتها الأليمة
عج المكان بالرجال من الطرفين واحتدمت المواجهات كان الجميع فيها في خط الڼار 
شعرت بانتفاضتها بين أحضاني فرجوتها بشدة
توقفي أمي أنت غير مضطرة لهذا 
قالت رغما عني كأنما وسيلتها لتنفيس مشاعرها المكبوتة
امتلأ المكان بالمزيد من الضحايا وعلمت من رومير أن مكسيم وشقيقه قد فرا بعد إصابة الأخير بإصابة خطېرة 
زدت من الضمة مؤكدة عليها وقد أطبقت على جفوني لأطرد عبراتي العالقة
لقد مضى وانتهى نحن بخير الآن 
تنهدت صوفيا في عمق لعدة مرات واستطردت بعد ذلك
نعم أنت محقة 
تراجعت عني لتضع الصورة التي كانت لا تزال في يدها على الطاولة القصيرة المستديرة المواجهة لها ثم نظرت إلي وهي تمسح بقايا الدموع عن عينيها بأناملها لتتابع بأسى
والباقي أنت تعرفيه تزوجت ب أندور من أجل الحماية واستمر الصراع دائرا بين العائلتين إلى أن تورطي فيه دون قصد حين قتل ماركوس وهو يحاول اختطافك 
الانتقال لهذه الجزئية كان موترا لأعصابي اختلست النظرات لأتأكد من عدم متابعة أحدهم لحوارها الاسترسالي وطلبت منها بصوت اكتسب طابعا جديا رغم خفوته
لا داعي للحديث عن ذلك الآن ونحن في بيتهم 
ابتسمت لتطمئنني وهتفت في لطافة
الأمر اختلفت قطعة السكر لا تخافي 
جالت عيناي في حركات عشوائية حول الأركان من أجل
ضمان انفرادنا وهذا الصوت المستنفر يردد في رأسي
لا نزال في قبضتهم وهل يأمن أحدهم لمكر الثعالب !!
يتبع الفصل السادس عشر
السادس عشر 
الفصل السادس عشر
على ما يبدو كان للحديث المستفيض مع صوفيا تأثيره الأكبعقلي لأعايش لحظات غابرة من طفولتي خلال نوبة من الأحلام الغريبة المتداخلة ما أذكره بوضوح من تفاصيل هو أني كنت صغيرة السن أرتدي نفس الثوب المنتفخ في يوم ميلادي لكني بعقلي اليوم اندهشت لقدرتي على تذكر لهوي في حديقة الفيلا الواسعة كنت أعشق اللعب في بيت الدمي كان مضاهيا في حجمه حجم بيت كلب الحراسة مع فارق أنه تم طلائه باللون الوردي 
كانت لدي ألعاب تناول الشاي واستقبال الضيوف كنت بمفردي آنذاك أرتب الأواني والفناجين لا أكترث بالا لما يحدث بالداخل فقد كانت هذه فقرتي المفضلة ادعاء استقبالي للزوار رغم أني لم ألعب سوى بمفردي غالبية الوقت فشقيقتي آن كانت لا تزال صغيرة والمربية تعتني بها إلى جانب أمي أذكر أني سمعت جلبة آتية من عند الباب أعقبها خروج هذا الفتى الصغير والذي لم أتمكن من تبين ملامحه بدا من العسير علي رؤية وجهه بوضوح كان كالأطياف يتعذر علي رؤية تفاصيله لمحته وهو يسير مقتربا من بيت الدمي وعيناه مرتكزتان علي ما ظل حاضرا في ذهني هي نظراته الڼارية لم أر في مثل ڠضبها سابقا خاصة في طفل مثله 
حدجني بنظرة جعلتني أرتجف دعوته في براءة
هل تلعب معي
وقف قبالتي ظل يطالعني بنظرته المليئة بالشړ فسألته من جديد مبتسمة وأنا أرفع فنجان القهوة
هل تشرب الشاي
لم يجبني كان متحفزا بشكل غاضب لم أتفقه له كدت أتكلم من جديد لكنه تقدم مني خطوة وأطاح راكلا بقدمه في قوة الطاولة القصيرة التي أرص عليها أشيائي اللطيفة أمام بيت الدمي لتتبعثر كافة الألعاب هنا وهناك نظرت له مدهوشة وأنا شبه عاجزة عن الصړاخ بدت فعلته المفاجأة صاډمة لي والغريب أني لم أصرخ تقوست شفتاي كتعبير عن حزني الشديد وبكيت في صوت خاڤت تركني وابتعد وهو يلعن فانتفضت خوفا منه لكني لم أفعل
شيئا سوى النهوض من مقعدي الصغير لجمع ما تفرق من ألعاب في محيطي 
كان ذلك آخر ما أذكره قبل أن استفيق فجأة من سباتي لأعتدل في رقدتي وأنا أرمش بعيني لعدة مرات حتى اعتاد على الظلام الدامس
هل كنت أبكي في الحقيقة أيضا
كفكفت بقايا دموعي العجيبة بظهر يدي وسحبت نفسا عميقا لفظته على مهل ثم رفعت يدي أعلى شعري نفضته في الهواء شعرت بالرطوبة وبارتفاع حرارة جسدي فقد كنت أتصبب عرقا رغم أن المكيف كان يعمل في الغرفة لجعل الأجواء لطيفة الټفت نحو يساري لأخذ كوب الماء المغطى الموضوع على الكومود ارتشف قدرا منه ووضعته في مكانه استلقيت مرة ثانية لأحدق
 

25  26  27 

انت في الصفحة 26 من 59 صفحات