رواية وبقي منها حطام أنثى بقلم منال سالم و ياسمين عادل
يعرف الطريق إلى قسماتها إلا معه هو فقط ..
هو خجل خاص به وله ..
ازدردت ريقها بحذر وهزت رأسها معترضة بحرج بادي عليها .. وهتفت نافية بإستحياء
لالا ملهوش لزوم انا هاخد تاكسي !
حدجها بنظرات قوية ولم يترك لنفسه المجال للتفكير بل ترجل من سيارته واستند بساعده على سقفيتها ثم لوى ثغره ليردد بضجر
_أثار ضيقها بوضوح ظاهر على تعابير وجهها بنعتها ب مدام بينما تابع قائلا ببرود
أنا كده كده رايح عند عمتي يعني في طريقي وانا مش متكلف حاجة.. ياريت تتفضلي عشان الوقت !
نظرت له بذهول قليل فهتف بها بجدية
يالا مش عاوز أضيع وقتي !
استقلت السيارة معه وحافظت على بقاء مسافة بينهما .. ثم التفتت برأسها لترى الصغيرة وهي تتداعب الكرات الصغيرة المعلقة في مقعدها ..
وتأملها هو بنظرات مختلسة أشبعه عطشه إلى حبها القديم ..
اعتدلت في جلستها وانكمشت على نفسها أكثر ..
حضوره الطاغي وقربة الشديد يؤثر بها ويشتت تفكيرها ..
تأملت حركات يده من زاوية عينها وهو يحركها متنقلا بين المقود والمكابح وكأن حنينها بات غير مخفيا ..
استشعر بقلبه نظراتها .. لكنه لم يحاول النظر إليها أراد أن يحافظ على جموده .. لكن هيهات وما للقلب من حاكم !
والنبي ياسعات البيه تاخد الفل ربنا يخليلك الهانم يارب وتفضلو مع بعض طول العمر خده مني !
_ فغر فاهه بذهول من عبارتها وهو يرمقها بنظرات جامدة رغم صډمته ..
تعالي ياشاطرة
ركضت الفتاة للجهة الأخرى من السيارة وقد اتسع فمها بإبتسامة حماسية وصاحت بتفاؤل وهي تمد يدها لها بالزهور
اللهي ربنا ما يحرمك من نور عنيكي ياست هانم !
أخرجت إيثار من حقيبتها بعض النقود ثم أعطتها لها وهي تبتسم تناولت منها عقدين من زهور الفل والياسمين وقالت لها بخفوت
طالع مالك تصرفها بغرابة وهو قاطب جبينه ..
هي كما اعتادها قبل سنوات .. عفوية ونقية گسماء زرقاء صافية عقب ليلة هوجاء عصفتها الرياح والأمطار ..
أمعنت في تعابير وجهها المرتخية بإرتياح ..
ها هي تبتسم ها أنا أرى غمازتيها تتشكلان لتأسرني مجددا ..
أفاق من هالة سحرها والټفت برأسه سريعا حتى لا تلتفت هي وتلاحظ نظراته الشغوفة لها ..
لم يكن لها بل لم ينطبق عليها ولكنه أجبر نفسه على رؤيتها كذلك
رجا الله في نفسه وتضرع إليه خفية أن ينير طريقه ويهديه هو گالضال .. لا يعلم ما يدور حوله .. متخبطا مذبذبا وبأقل همسة منها يعصف كيانه وتدور الرياح من حوله ويسقط صريعا في بئر غرامها .....
....
_ وصلت سيارته على أول الطريق المؤدي للبناية التي تقطن بها فصفها وأفلت حزام الأمان عنه واستدار بوجهه ليبلغها بعدم قدرته على الإنصفاف أمام البناية مباشرة ولكنه وجدها تضع حقيبتها على كتفها وتستعد للنزول من تلقاء نفسها .. فأثر الصمت حتى لا يفسد وهم هدوئه المقنع ...
ترجلت من السيارة وخطت نحو بنايتها بثبات ..
حرك رأسه قليلا فلفت انتباهه أنعقاد الزهور في مرآة السيارة الأمامية ...
اتسعت حدقتيه پصدمة ومد يده بشكل تلقائي لكي يلتقطها ..
قربها من أنفه وأشتم رائحة الياسمين النفاذة في الزهور بهوس عجيب ..
أغمض عيناه ليستمتع بذلك السحر الذي تخلفه ورائها ..
وتسائل في نفسه بإندهاش هل شرد بقوة لدرجة تصل إلى عدم انتباهه لفعلتها تلك
بدى كما لو كان بعالم آخر غير واقعه الذي يرفضه هذا ..
فتح عيناه و تلمس الزهور برقة .. وتأمل بياضها وألوانه المٹيرة للفرحة ثم ابتسم وهو يلتقط زهرة منهن ليحتفظ بها ..
عقد البقية في المرآة وهبط عن سيارته ...
.................................................................
ولجت إيثار عبر باب المنزل ثم صفقته بهدوء لتجد أمامها عمرو مرتديا قميصه وبنطاله الأسودان مستعدا للهبوط ..
لم تعره الاهتمام و تحركت للداخل و تركت الحقيبة عن كتفيها وكادت تجلس إلا أنه إستوقفها بعبارته قائلا بعذوبة
إيثار انا هنزل أجيب أكل قوليلي نفسك في إيه !
استدارت برأسها نحوه ونظرت له بعدم إكتراث ثم ردت عليه وهي تشير بيدها نافية
لا شكرا انا هغير هدومي وادخل اعمل أكل لنفسي !
اقترب منها عمرو وحاوط كتفيها بذراعه وأردف قائلا بإصرار وهو يبتسم لها
لأ هجيب أكل ومش هتعملي النهاردة .. بس قوليلي نفسك في إي
_ تنهدت إيثار بإرهاق عقب حركته المباغتة ثم تهدل كتفيها بحزن هي لم ترغب يوما أن يصل الحال بينها وبين أخيها لهذا الجفاف والرقود ولكنه من دفعها لكل تلك العدائية التي حملتها تجاهه ..
هي لم يعد لديها المزيد لتخسره ..
عليها اتخاذ هذا القرار الذي لم تتخذه منذ ثلاث سنوات ..
التفتت لتنظر له بعين الاشتياق وهي تقول بهمس
هاتلي عسلية بس تبقى بالسمسم !!!
_ كانت رسالتها بالسماح والعفو عنه أكثر الأشياء فرحة وبهجة أرتفع نهديه بنفس عميق ثم احتواها داخل أحضانه لتسكن جوار نبضات قلبه المشتاقة إلى دفيء أخته الصغرى ..
أه يا حبيبتي كم اشتقت لحضنك الدافيء وروحك العذبة ..
انحنى ليقبل رأسها ثم حاوط وجهها براحتيه وهتف بفرحة جلية
انا هنزل أجيبلك محل العسلية بحاله وأجي على طول
!
_ كانت تحية تقف على عتبة المطبخ لتتابع فلذتي كبدها ..
ابتسمت بسعادة وهي تراهما معا ..
رقص قلبها طربا لأول مرة منذ سنوات وتركت عبراتها تنسال عنها وهي تكفكفها ثم رفعت يدها لمولاها وهي تحمد العزيز الرؤوف على هداية حبيبيها لبعضهما مرة أخرى .. وهبطت ببصرها مرة أخرى لتتلاقى بعيني إيثار التي بعتث لها الأمل بنظرة واحدة فقط لكنها حملت الكثير من الحب والمسامحة ... .
................................................................
عادت روان للتو من الخارج بعد أن قامت بشراء الكثير من الحوائج التي تنقص بيتها وأثناء صعودها الدرج شعرت بثقل الحقائب على يدها ووقفت للحظات تضبط أنفاسها اللاهثة من فرط المجهود فوجدته يظهر أمامها فجأة ..
أسبلت عينيها بحياء ثم تحركت للجانب لتفسح له الطريق ولكنه أشار لها لتصعد وهو يبتعد بخطواته قائلا
اتفضلي يا آنسة روان !
ابتسم له روان بخجل وهي تصر على رأيها قائلة
لا أتفضل حضرتك
رد عليها عمرو وهو يهز رأسه برفض شديد
أبدا والله ما يصحش !!!
_ عضت على شفتيها بحرج ثم لملمت شتاتها وهي تصعد عدة الدرجات التي تفصل بينهما ..
وقفت على مقربة منه ورفعت عيناها بخجل نحوه لتطالعه بنظراتها المتأملة فلاحظت نمو بصيلات ذقنه والتي جملت من هيئته الحزينة فأطرقت رأسها وهي تقول بحزن شديد
البقاء لله في والدك !
رد عليها عمرو بتنهيدة وقد خيم الحزن على وجهه من جديد
البقاء والدوام لله وحده !
_ وقع بصره على الحقائب البلاستيكية العديدة التي تحملها ففكر سريعا في مساعدتها وبشكل تلقائي هتف
تحبي أساعدك في حاجة
أجابته روان وهي تهز رأسها بنفي
لا شكرا عن أذنك !
كادت تمرق من جواره ولكنها انتفضت بهلع .. بل ارتجفت پخوف كبير ...
نعم شعرت برعشة تسرى بأوصالها على إثر صوت أخيها وهو يهدر بها
روان !!!
التفتت بفزع نحوه وتسمرت في مكانها مصډومة ...
أدرك عمرو سبب خۏفها وأسرع موضحا حسن نيته فتساءل بنزق
ازيك يامالك
هدر مالك پعنف متجاهلا حديثه له وهو ينظر حيال أخته الصغرى بنظرات مشټعلة
بتعملي إيه عندك
ازدردت روان ريقها پخوف وأجابته وقد تلعثمت الحروف على لسانها
آآ نا......... !!!!
اقترب مالك منهما وهو يصعد الدرجات الفاصلة بينهما بخطوات ثقيلة ومسموعة وهو يحمل ابنته وقطعة قلبه و..................
.....................................
الفصل السادس والعشرون الجزء الأول
صعد على الدرجات ونظراته تطلق شررا مخيفا .. إرتجفت منه واختفى لون وجهها الطبيعي وتبدلت تصرفاتها للخوف واﻹرتباك ..
ولولا حمله لصغيرته لكان اﻷمر قد تطور لعراك عڼيف .. فها هي اﻷيام تمر ويعاد المشهد مجددا ولكن مع أخته ورغم يقينه من حسن نواياها وتصرفاتها العفوية والبريئة إلا أنه أراد أن يرى ردة فعل عمرو حينما أصبح مثله في موقف لا يحسد عليه .. ..
فآنذاك لم يقبل هو بوجود علاقة من أي نوع بينه وبين أخته إيثار وتعدى عليه بالضړب وبالشتائم واﻹهانات .. واليوم هو يكرر خطئه مع صغيرته روان ..
أشار مالك لأخته بنظرات ڼارية مھددة وهو يأمرها بصرامة
سيبي الشنط دي وخدي ريفان وإطلعي لفوق !
لم تقو على الرد عليه أو الإعتراض وزادت رجفتها منه وهي تتخيل إنفعاله وعصبيته عليها فمالك قد تغير كثيرا ..
ونفذت أمره دون جدال ...
دافع عمرو عن موقفه قائلا بهدوء محاولا امتصاص شعلة غضبه
محصلش حاجة يا مالك أنا كنت بأعرض مساعدتي عليها !
حدجه مالك بنظرات
محتقنة ورد عليه بنبرة غاضبة
إنت بتردهالي
ارتفع حاجبي عمرو للأعلى ونظر له مشدوها وهو يقول
قصدك ايه
أمسك به من تلابيبه وكز على أسنانه بقوة وهو يهزه پعنف ثم صاح بعصبية
انت مصدقتنيش لما قولتلك أنا معملتش حاجة مع إيثار وخدت حقك مني عاوزني إزاي اسكت وأنا شايفك بعيني ب ... آآ
تصدى له عمرو وحاول السيطرة على نوبة غضبه وهو يقول بحذر مقاطعا إياه
أنا غرضي شريف وآآ..
قاطعه مالك مهددا بنبرة عدائية ونظراته قد زادت شراسة
أحسنلك تبعد عن أختي سامع ! أختي خط أحمر ومش هاقبل إن واحد زيك يقرب منها .. فاهم !
دار بخلد عمرو ذكرى نفس الموقف وتذكر كلماته المھددة والتي كانت مصحوبة بالضړب والسباب قبل سنوات عدة في المشفى ..
إنه التاريخ .. يعاد من جديد بعد أن تبدلت اﻷدوار ..
هو اﻵن تفهم شعور المظلوم .. شعور من لم يرتكب ذنبا أو جرما شنيعا ليحاسب عليه بلا رحمة ... وتجرع من نفس الكأس التي أذاقها له ..
دفعه مالك بقسۏة للخلف ثم تركه وأكمل صعوده لمنزل عمته ميسرة بعد أن التقط الأكياس البلاستيكية ...
................................... ............
أوصدت روان باب غرفتها على نفسها وجلست بالصغيرة ريفان على طرف فراشها ټحتضنها پخوف ..
تعلقت أنظارها بالباب وترقرقت العبرات في عينيها ..
هي لم تخطيء كانت مجرد صدفة أخرى جمعتهما سويا صدفة أحبتها وكادت تستمع بها لولا ظهور أخيها ففسدت الصدفة وفسد كل شيء ..
انتفضت فزعة في مكانها على صوت الدقات على بابها وزاد
تمسكها بالصغيرة وكأنها تحتمي بها