رواية ظنها دمية بين أصابعه (الجزء الرابع من الفصول) بقلم الكاتبة سهام صادق
ملامحها.
_ طول ما زوزو موجوده معايا أنا كويس...
أشار لها نائل بأن تقترب منه فتحركت نحوه وجلست على ذراع الأريكة التي يجلس عليها. تلاقت عيناها بعينين عمها هشام الذي أجاب على كلام والده.
_ طبعا يا سيادة اللواء أنا عن نفسي بكون مطمن عليك في وجودها لكن نعمل إيه بقى ما أنت استعجلت وجوزتها.
حدجه نائل بنظرة ساخرة ألجمته.
توترت زينب وهي ترى نظرة هشام لها بعدما ألقى جدها بحديثه المبطن.
_ إيه يا زوزو مش هتقومي تعمليلي فنجان القهوة بتاعي.
ثم أردف بعدما استرخى بجلوسه.
_ فنجان قهوتي من ايدك وحشني.
ابتسمت وهي تتمنى داخلها أن يكون بالفعل اشتاق لتناول القهوة من يدها.
_ غريبة يعني رنيت الجرس ومفتحتش الباب بالمفتاح اللي معاك.
_ نسيت المفتاح في درج المكتب ومكتشفتش ده غير وأنا قدام الباب...
هز نائل رأسه ونظر إليه وقد أخذ هشام يدلك له ساقيه.
_ قول اللي عندك يا هشام.
ابتسم هشام وهو يحرك يديه على ساقين والده برفق.
_ أشرقت متقدم ليها عريس وطبعا الرأي بعد رأيك.
_ نعرف أهل العريس حد من معارفنا.
أجابه هشام على الفور.
_ ابن رجل أعمال معروف جدا في البلد.
_ أيوة ابن مين يعني
طالع هشام زينب التي اقتربت منهم بفنجان القهوة.
_ ابن عدنان الهتيمي.
قطب نائل حاجبيه محاولا تذكر اسم تلك العائلة لكن ذاكرته لم تسعفه.
_ متستعجلش في الرد عليهم واسأل كويس اوي عنهم يا سيادة المستشار.
_ رجال المال لما بيحبوا يتحدوا مع رجال السلطة بيكون ليهم هدف أحيانا.
ارتفعت قهقهة هشام والتقط فنجان القهوة الذي وضعته زينب أمامه.
_ يعني مصاهرتنا لعيلة الزيني وراها هدف... الحمدلله إن شاكر بيه عارفنا كويس وماخدش موضوع أسامة زمان وصمة عار علينا.
احتدت ملامح نائل بعدما رأي نظرة الكسرة التي احتلت عينين حفيدته وانسحبت من أمامهم.
تجهمت ملامح هشام عندما تذكر قطعة الأرض التي باعها والده من أجل ذلك الأخ الذي لن يعترف به يوما حتى بعد ۏفاته.
_ ما هو لولا الفلوس اللي دفعناها للبنك عشان نسد القرض كان زمانا مفضحوين وسيرتنا على كل لسان وكان دخل السچن.
_ هشام خد بعضك وامشي ولما تيجي ميعاد خطوبة بنتك ابقى بلغني بالتليفون أو اقولك خلي لبنى هي اللي تبلغني ما أكيد القرار في النهاية ليها.
_ زينب هاتي كوبايه مية بسرعه.
انتفضت زينب من المقعد الذي جلست عليه بالمطبخ لتصب كأس الماء بيدين مرتعشتين واتجهت نحو جدها بهلع.
ابتعد هشام عن والده بعدما رفض أن يشرب الماء منه وقد شعر بالندم لتفوه بهذا الأمر.
ارتفع رنين جرس الباب فأسرع هشام لفتحه بوجه متجهم.
_ مساء الخير يا سيادة المستشار.
قالها صالح فحاول هشام أن يدراي ربكته وابتسم قائلا
_ تعالا يا صالح اتفضل.
اندهش صالح من توتر هشام لكن عندما تحرك إلى الداخل ورأى زينب جوار جدها تدلك له صدره وظهره فأدرك سريعا سبب حالة هشام.
_ هو سيادة اللواء تعبان.
هتف بها صالح وهو ينظر نحو زينب التي احتل الفزع ملامحها ودون أن ينتظر رد هشام تحرك نحوهم.
_ خلينا ناخده للدكتور.
اتجهت نظرات زينب نحو الواقف ورائها ليفتح نائل عينيه بعدما التقط أنفاسه من السعال الشديد وبصوت مبحوح متهدج قال
_ أنا بخير يا بني.
_ لا يا جدو أنت مش كويس.
تدخل هشام بالحديث وهو يخرج هاتفه من سترته.
_ هتصل بالدكتور بتاعه يجي فورا.
خرج صوت نائل هذه المرة بصرامة رغم حالة الضعف التي انتابته فجأة.
_ قولت أنا كويس.
لمعرفتهم بعناده رضخوا لأمره وقد عادت الډماء لوجهه أخيرا. أخفض هشام رأسه بخزي من فعلته.
_ تعالي يا بني أقعد حمدلله على السلامه.
تمتم بها نائل مبتسما وأشار له بأن يجلس جواره.
_ الله يسلمك يا سيادة اللواء.
جاوره صالح وربت على كفه متسائلا
_ حضرتك كويس دلوقتي
امتعضت ملامح نائل عندما تلاقت عيناه بعينين هشام.
_ يا بني أنا كويس أنا بس شرقت وأنت عارف زوزو مش بتستحمل حاجة عليا.
نظر لها جدها وحرك يده نحو خدها يمسح عليه.
_ قومي اغسلي وشك يا حببتي ومټخافيش عليا.
بوهن نهضت زينب من على الأرض وهتفت بصوت ضعيف.
_ هروح اعملك حاجة تشربها يا جدو واجيب الدوا بتاعك.
حرك هشام يده على وجهه بحنق بعدما تجاهل والده الرد عليه وقرر الجلوس بصمت.
_ عملتها لينا مفاجأة ومبلغتش زوزو بميعاد رجوعك.
ابتسم صالح بتوتر وتحاشا النظر إليه.
_ حبيت فعلا تكون مفاجأة ل زينب بس شكلي مش هقدر اخدها معايا النهاردة.
اتسعت ابتسامة نائل ونظر له.
_ لا طبعا هتاخدها معاك... أنا أه مش بشبع من وجودها معايا لكن مقدرش اخدها منك إلا لو أنت مستغني عنها.
أسرع صالح بالرد تحت نظرات هشام الذي امتقعت ملامحه عقب رد صالح.
_ لا طبعا أنا مقدرش استغنى عنها لكن مبقدرش اقولها لاء لأي حاجة خاصة بيك... أنا عارف مدى حبها ليك.
التمعت عينين نائل وقال بعدما ألقى بنظرة حادة نحو هشام الجالس في صمت.
_ دي الغالية بنت الغالي قوم يا بني قولها تحضر نفسها عشان تمشوا.
استجاب صالح لطلب الجد بلهفة تمكن من إخفائها سريعا لكن عينين نائل التقطتها أرخى نائل جفنيه قائلا
_ اتصل بأخوك مصطفى يا سيادة المستشار خليه يبعت حاتم.
...
أخفض صالح رأسه عندما رأها تمسح دموعها وقد شرد بذاكرته بذلك اليوم الذي أتى فيه بالصباح حتى يعيدها إلى المنزل قبل ذهابه إلى عمله. عندما فتحت له الباب كانت بصورة باهته مثل ليلة زفافهم... تحرك خلفها نحو المطبخ وقد كان الصمت يسود المكان. حاول إخراج الكلام من شفتيه لكنه انحبس في حلقه ولم يتحمل النظر إليها لټصفعه بتلك الكلمة التي هزته وجعلته يدرك خسارته.
طلقني
نفض رأسه بعدما فاق من شروده ولم تكن منتبهة على وقوفه على أعتاب المطبخ لكن عندما أصدر نحنحته رفعت عيناها جهته. ازدرد صالح لعابه عندما تحرك نحوها وقد ضاع الكلام الذي أراد إخبارها به... فقد أضاعته تلك النظرة التي يحتلها الكره.
شرعت بسكب العصير بالكوب بعدما أشاحت عيناها عنه وكادت أن تتحرك من أمامه لتجده يسد عليها الطريق قائلا
_ أنا جيت اخدك يا زينب عشان نروح بيتنا.
ابتعلت غصتها وسارت من أمامه لكن توقفت مكانها قبل أن تغادر المطبخ.
_ فكري في حالة سيادة اللواء قبل أي قرار.
أغمضت عيناها بقوة لعلها تستطيع إستعادة رباطة جأشها ثم استكملت خطواتها إلى الخارج.
أتى حاتم ابن عمها مصطفى للمبيت مع جدها ولم يكن أمامها إلا الرحيل الذي قررته من قبل. لم تنبس ببنت شفة طيلة طريق عودتها معه لكن عندما دلفت من باب الشقة خرج صوتها أخيرا.
_ فين يزيد.
تنهد وهو ينظر لها رغم تحاشيها النظر إليه.
_ في الڤيلا.
أغلق جفنيه لوهلة ثم فتحهما قائلا بعدما وجدها تتجه نحو غرفتها.
_ خلينا نتكلم شوية.
_ أنا محتاجة أنام.
زفر صالح أنفاسه بقوة ثم تحرك نحوها ووقف أمامها.
_ إحنا لازم نتكلم.
_ أنا مش عايزه اتكلم في حاجه ممكن تبعد.
حاولت إزاحته من طريقها لكنه لم يتحرك ونظر إليها بإصرار.
_ سكوتك ده مينفعش...
أشاحت عيناها عنه فأسرع بالتقاط يدها يضعها على صدره.
_ اضربيني زي ما عملتي يومها... قولي بكرهك حتى.. لكن سكوتك ده مينفعش.
_ ممكن تبعد.
لم يتركها لتبتعد فدفعته عنها بوهن ورغما عنها انسابت دموعها التي خانتها.
بكت بحرقه وقد ظن أنها تبكي من خيبتها منه لكنها كانت تبكي من يتمها و قلة حيلتها... ضمھا إليه وظن من سكونها بين ذراعيه أنها تقبلت أن تعطيه فرصة حتى يصلح ما أفسده.
_ اهدي يا زينب.
يده التي أخذ يمررها على ظهرها وذلك الهمس الخاڤت الذي اخترق أذنيها جعلها تفيق من ضعفها. دفعته هذه المرة عنها بقوة.
_ مش هسامحك ولا هسامحه في يوم.
بهتت ملامح صالح ونظر إلى الباب الذي أغلقته خلفها پعنف. تحرك بدون هوادة ذهابا وإيابا أمام غرفتها يستمع إلى صوت بكائها.
....
انفلت الكيس الذي تحمله أرضا فانحنت سريعا لتلتقطه وقد ضاقت حدقتاها عندما انتبهت أثناء استقامتها في وقوفها على سيارته التي تصطف بجانب الطريق على بعد قليل منها.
بتوتر سارت بتلك الجهة التي تسير بها كلما عادت من عملها.
أغلق عزيز مكالمته عندما التقطتها عيناه في مرآة السيارة وقد ارتسمت على محياه ابتسامة صارت تتوهج بعينيه. أسرع في ترتيب خصلات شعره ثم التقط قنينة عطره لينثر منها القليل.
مرت بجانب السيارة ليهتف عزيز قائلا عندما وجدها ستتجاوز السيارة.
_ ليلى.
بنظرة خجله اتجهت عيناها إليه فابتسم قائلا بنبرة مشاغبة.
_ معقول بعد وقوفي ده كله هتمشي كده من غير حتى سلام.
ازدردت لعابها بخجل فالكلام صار يخرج منها بصعوبة بعدما صارت مشاعره واضحة بالنسبة لها.
_ يا بنت الناس الطيبين اركبي عشان وقوفنا كده مينفعش.
ابتعدت عن باب السيارة وألقت بنظرة خاطفة حولها.
_ أيوه فعلا مينفعش أقف كده.
كادت أن تتحرك لكن صوته الذي خرج بضيق أوقفها.
_ عمك عارف إني هقابلك فاركبي يا ليلى وبلاش الاحساس اللي بقيتي توصليه ليا مؤخرا.
زمت شفتيها ونظرت إليه بتخبط لكن عندما استمعت إلى زفرته القوية رضخت لأمر قلبها وصعدت السيارة.
بنظرة حانقة رمقها وهو يتحرك بالسيارة.
_ عندي سفريه لمدة يومين هرجع منها هطلب ايدك من عزيز وانتهى الكلام في الموضوع ده.
وأردف بملامح متجهمه وصوت خرج به بعض الحده.
_ عزيز كلمته الضهر وقولتله إن العفش اللي اتباع فلوسه وصلت ليا ولو قابلتك صدفة هديكي الفلوس.
أخفضت رأسها نحو كفيها المضمومين في حجرها وبصوت خاڤت تمتمت.
_ أنا مش قصدي حاجة لكن يعني...
تنهد عزيز بعدما انتبه على غضبه عليها ولم يتحدث إلا عندما أوقف السيارة في مكان يبعد عن المجمع السكني قليلا.
_ ليلى أنا فاهم كويس أنت بتعملي كده ليه وعشان كده أنا عايز اعجل في أمر الجواز... ليلى أنا مش مراهق ولا راجل بلا اخلاق عشان ادور على حجة عشان اقابلك بره البيت أو اكلمك في التليفون لما اعرف إن الكل نام.
طالعته بنظرة حزينة فهي تشعر بالخزي مما تفعله... فلم تجرب تلك المشاعر التي تعيشها من قبل... كل شئ جديد عليها وما يحركها هو قلبها الذي صار بين اللائم والمشجع نحو ما تعيشه.
_ أنا عارف إن حبك ليا برئ يا ليلى لكن حب الراجل للست مختلف.
تمعن بالنظر إليها بعد كلامه فوجدها تخفض عيناها نحو يديها.
_ بفقد صوابي في كل مرة عيني بتيجي في عينك اتحولت لشخص أنا مش مصدق إني بقيت هو.
استمرت في فرك يديها بتوتر حتى ظهر الإحمرار عليهما.
_ بقيت عابث بجدارة على ايدك.
نطقها بعبث فرفعت عيناها نحوه بنظرة